مقتل يحيى السنور: التداعيات والانعكاسات – تقدير موقف
لتنزيل الورقة pdf كاملة اضغط (تنزيل – Download)
مـــقـدمــــة
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم الخميس 17 أكتوبر 2024م عن مقتل رئيس حركة حماس “يحيى السنوار” بعد معركة بالأسلحة في حي تل السلطان جنوب غزة.(1) وحسب بيان جيش الاحتلال، فإن العملية جاءت عن معلومات استخبارية لجهاز الشباك تفيد بوجود ثلاثة مقاتلين تابعين لحركة حماس في أحد مباني حي تل السلطان ليتم محاصرته من طرف كتيبة مشاة ثم قتله رفقة من معه بقذيفة من دبابة.(2)
وبدورها أعلنت الحركة خبر مقتله يوم الجمعة المـوافق 18 أكـتوبر، ولم تـختر الـبديل لـرئاسـة الـحـركـة.(3) هـذه الـورقة تـتـناول عـملية مـقتل يـحيى السـنـوار رئـيس حـركـة حـمـاس، كموقف فـي إطـار الحـرب الـمـسـتـمـرة، وتـداعيـاتها على الـحــركــة تــنــظــيـمـيـا، وعــمـلـيـاتـيـا ومـعـنـويـا، والســينـاريوهات الحرب المتـوقعة إثر العملية.
الســيـاق الـعـام للـمـوقـف
تأتي عملية مقتل السنوار في إطار الحرب المستمرة بفعل عملية السابع من أكتوبر والتي طال أمدها لأكثر من سنة، وفي ظل سعي إسرائيل لتحقيق أي مكاسب عسكرية، خصوصا في ظل عجزها عن تحقيق أهدافها الرئيسية في الحرب كالقضاء على حركة حماس. إذ نجحت حماس بالحفاظ على كينونتها وتماسكها والإبقاء على قدراتها العسكرية، وكذلك استمرار عمليات الحركة بوتيرة عالية على عكس التوقعات والتقديرات الإسرائيلية.
ولهذا تـأتـي هـذه الــعـــملــيـة في إطــار ســعـي إسـرائيل لـتـحقيق مكاسب واسعة، كان آخرها قـدرتـها على اغــتـيال أمـيـن عام حـزب الله قبل عــشـرين يوما(4) وقـبلها اغـتـيال رئـيس حـركة حـــــمـاس إســـمـاعـيــل هــنـيـة فـي طـــهـران(5) كـمـكاسب عــسـكـرية تـحققها من الحرب، في ظل صعوبة تحقيق بعض أهدافها في الحرب، كالـقـضـاء على حــمـاس وتـصـفـيتـها، وتـحـريـر
كافة الأسرى داخل القطاع.
ويأتي هذا السعي الإسرائيلي وعملياتها، في ظل عجز الجيش الإسرائيلي عن الوصول إلى الأسرى، بالرغم من إعلان حكومة نتنياهو “تحرير كافة الأسرى” كأبرز أهداف الحرب، ولكنها لم تنجح في هذا، واكتفت فقط بتحرير أربعة أسرى على قيد الحياة طيلة الحرب، وباقي من تم تحريرهم كانوا قد فارقوا الحياة بفعل الضربات الإسرائيلية، ويبقى ما يزيد عن مائة أسير في قبضة الحركة لم يستطع الجيش الوصول إليهم أو تحديد مكانهم.(6)
ويتجه السياق العام للعملية إلى ركود المسار التفاوضي، وتراجع الاعتماد عليه من قبل الطرفين، وسعي الوسطاء إلى إعادة هذا المسار مع استمرار التهرب الإسرائيلي منه، ويتشكل سياق أكبر وهو المخاوف من توسع الصراع في الشرق الأوسط وانفلات السيطرة عليه، خصوصا مع تزايد حدة الضربات بين إسرائيل وحزب الله، والضربة الإيرانية الأخيرة على إسرائيل(7) والترقب المتزايد للرد الإسرائيلي في العمق الإيراني، وهذا هو ما تعول عليه الحركة لتخفيف الضغط على القطاع وتشتيت القدرات الإسرائيلية.
القـيمة الاســتـراتـيـجية للســنوار
يشكل السنوار شخصية استراتيجية محورية في المشهد الفلسطيني والمقاومة، بمكانته ودوره المركزي في قيادة حركة حماس وتوجيه مسارها. وتمتع السنوار، كرئيس للحركة في قطاع غزة (8) بسلطة واسعة على الأجنحة السياسية والعسكرية؛ مما جعله المسؤول الأول عن اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي أثرت بشكل مباشر على مسار الصراع مع إسرائيل. وتمثل شخصيته عاملا مهما في توجيه العمليات الميدانية والسياسات العامة للحركة، خصوصا داخل القطاع، ما عزز مكانته كزعيم لا غنى عنه في مسيرة حماس، وكذلك ارتباط شخصيته بتعزيز معنويات الحركة و”كتائب القسام” كأحد رموز المقاومة الفلسطينية، باعتباره أحد المؤسسين لجهاز “مجد”، الذي كان النواة الأولى لحركة حماس، ومن خلال هذا الجهاز، أسس السنوار الهيكل التنظيمي والأمني للحركة منذ بداياتها، فارتبطت شخصيته بالنضالية في المخيلة الفلسطينية.
ويعزز قيمته الاستراتيجية، تميزه عن غيره من قيادات حماس، بمعرفة عميقة للنفسية الإسرائيلية وآليات صنع القرار داخل المجتمع الإسرائيلي وأجهزته الأمنية والعسكرية تشكلت من خلال 18 سنة داخل السجون الإسرائيلية، ما جعله يتمتع بفهم معمق لكيفية التفكير الإسرائيلي. وهذ الأمر الذي مكنه من التخطيط لعمليات نوعية، أبرزها عملية “السابع من أكتوبر”.
وتتحدد هذه القيمة عند وضع “استهداف السنوار” على رأس قائمة الاغتيالات الإسرائيلية دليلا على خطورته البالغة في نظر إسرائيل، وأبرز أهداف الحرب الإسرائيلية على القطاع، باعتباره تهديد استراتيجي لأمنها.
وتعززت قيمته الاستراتيجية في الرؤية الإسرائيلية بهندسته أكبر عملية في تاريخ المقاومة الفلسطينية على الإطلاق، إذ يتهمه الإسرائيليون أنه “المدبر والمخطط والمشرف”(9) لعملية السابع من أكتوبر التي اجتاحت فيها غلاف غزة.
الـتداعــيات على الحــركة
تأتي عملية مقتل السنوار وهو في أعلى هرم الحركة، كرئيس لها، وأقرب من غيره لصنع القرار فيها، إضافة إلى كونه يدير المعركة في القطاع وكافّة العمليات؛ ولهذا يشكل مقتله خلال هذه الظروف ضعفا في تنظيم الحركة وانسجامها إلى حدٍ ما، ولكن المرونة العالية التي تتمتع بها، بفضل هيكلها التنظيمي يخفف من وطأة هذه العملية على انسجام الحركة.
ويظهر ذلك من خلال المواقف المشابهة التي تعرضت لها الحركة مسبقا، كان آخرها اغتيال رئيسها إسماعيل هنية، إذ أنها تتمتع بمرونة عالية في تعيين القادّة للحركة، دون أن يؤثر ذلك على تنظيم الحركة وسيرورتها.
أما من ناحيّة التداعيات على الجانب العملياتي، فقد كان السنوار يدير المعركة وعملياتها إلى حد كبير، سواء بتخطيطه العملياتي أو تنقله في أرجاء القطاع، وهذا يثير حول استمرارية عمليات الحركة بنفس الوتيرة شكوكا عالية، ولكن يبقى ذلك بحدود، إذ أن الحركة استطاعت طوال الفترات السابقة أقلمة نفسها على التدوير الميداني بدون أي صعوبات أو تأثير على سير العمليات، ويؤكد ذلك العملية التي قامت بها الحركة في 20 أكتوبر 2024، أي بعد مقتل السنوار بأربعة أيام فقط، وأسفرت هذه العملية عن مقتل قائد اللواء 401 الإسرائيلي (10) كأحد أهم الألوية الإسرائيلية وأهم الشخصيات العسكرية، وبالتالي يمكن الجزم أن الحركة لن تتأثر عملياتيا بمقتل زعيمها.
وتتمثل تداعيات مقتل السنوار بتراجع نسبي في مستوى المعنويات لدى مقاتلي الحركة، لما لشخصيته من رمزية معنوية ومكانة نضالية في جذور المقاومة الفلسطينية، كأحد أبرز الشخصيات المؤثرة والجماهيرية بتاريخ الحركة.
الســيناريوهـات المتوقعة للحرب بعد مقتل السـنوار
إن مقتل يحيى السنوار رئيس حركة حماس سيكون له آثار ذات وقع كبير وتأثير مباشر على مجريات الحرب بين حماس وإسرائيل، وقد تعتبر نقطة تحول كبيرة تُغير من ديناميكية المعركة، وذلك باعتبار القيمة البالغة للشخصية المستهدفة من هذه الحادثة، الأمر الذي قد يلقي بظلاله على مصير حرب، سواء بالانكفاء الإسرائيلي ودراسة قرار الانسحاب، أو ربما انفتاح الشهية الإسرائيلية بشكل أكبر طمعا في تحقيق مزيد من الانتصارات. ومن هذا فهناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة على أرض الواقع حول مستقبل الحرب في غزة.
السيناريو الأول: توقف المسار التفاوضي وتصعيد حماس لعملياتها العسكرية:
سيناريو تصعيد الحركة لعملياتها العسكرية واستمرارها في الحرب، هو ما أقره السنوار قبل مقتله باستعدادهم لخوض حرب طويلة ضد إسرائيل، وهذا السيناريو له مؤيداته، أبرزها إرادة الحركة بإثبات احتفاظها بقدراتها العسكرية والعملياتية، وكذلك أنها تعول على توسع الصراع بين إسرائيل والأطراف الأخرى، كحزب الله وإيران، إضافة إلى الصلف الإسرائيلي المستمر بقصفها المدنيين، وضعف مؤشرات انسحابها، الأمر سيجعل الحركة تخطو نحو خيار التصعيد أو الاستمرار بنفس الوتيرة القتالية على الأقل، وهي مجبرة على هذا الخيار، باعتبار أنه لا يوجد خيار آخر أمامها سوى الاستمرار أو الاستسلام.
السيناريو الثاني: تراجع عمليات الحركة واستمرار التوغل الإسرائيلي:
وهذا السيناريو يذهب نحو انكفاء حماس على نفسها، وتخفيف أو تجميد عملياتها، وغالبا سيكون ذلك طمعا في استجداء السلام، وفي المقابل انفتاح الشهية الإسرائيلية وتكثيف عملياتها، وذلك طمعا في تحقيق أكبر قدر من الأضرار في الحركة، وتصفية قياداتها وقدراتها العسكرية، وهذا السيناريو قد يكون مرجحا نوعا ما، وله مؤيداته، ولعل أبرزها التقديرات الإسرائيلية التي تتوقع شلل سير الحركة بمقتل قائدها، وتتوقع أنها في حالة اضطراب، سيمكن إسرائيل من تحقيق انتصارات سريعة، ولكن هذا السيناريو له عوائق، وهي إدراك الحركة أن تراجع وتيرة عملياتها سيجعل إسرائيل أكثر هجومية، اعتقادا منها أن الحركة في أضعف حالاتها، وينفي هذا السيناريو أيضا العملية الأخيرة التي قامت بها الحركة باستهداف وقتل قائد لواء 401 الإسرائيلي كرد على مقتل السنوار.
السيناريو الثالث: اقتراب نهاية الحرب وبدء المفاوضات:
هذا السيناريو يبقى مرجحا نسبيا، ويقوم على اعتبار أن إسرائيل حققت بمقتل السنوار أحد الأهداف الرئيسية لحربها، بينما بقية الأهداف ففي غالبيتها يمكن تحقيقها بالمفاوضات، كتسليم الأسرى، الأمر الذي يستدعي ضرورة استمرار الحرب لطالما والهدف سيتحقق بالمفاوضات، وكذلك وصول الجيش الإسرائيلي إلى مستوى عالٍ من القناعة بصعوبة تصفية الحركة، أو القضاء على قدراتها كليًا، الأمر الذي قد يجعلها تدرس قرار بدء المفاوضات، وفي المقابل لا ترفض الحركة الدخول بمفاوضات جادّة، خصوصا بحاجتها لإنهاء الحرب واستعادة عافيتها.
يبدو أن السيناريو الثالث هو الأقرب للواقع، ومؤيداته إلى حدٍ ما كبيرة، خصوصاً مع إرادة الولايات المتحدة والدول الإقليمية، الكابحة لتوسع الصراع، والتي تسعى لإنهاء الحرب في القطاع، ولكن هذا لا يعني حتمية هذا المسار، فحكومة نتنياهو غالبا لم ترضخ لضغوط المجتمع الدولي، وتجاوزت كثيرا من القيود في حربها، سواء ضغوطات الحلفاء أو القوانين الدولية، وقد تستمر بحربها لغرض توسعة الصراع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـمـــصــادر:
1- “كيف قتل يحي السنوار وما قصة المسيرة الإسرائيلية التي لاحقته وما مصير جثمانه”، منصة فراس 24، في 18 أكتوبر 2024م، انظر: https://f24.my/Ag4F
2- “كيف قتلت اسرائيل يحي السنوار”، منصة سكاي نيوز عربي ، في 17 أكتوبر 2024م، انظر: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1748677
3- “حماس تُعلن رسميا مقتل يحيى السنوار: ننعى قائد معركة طوفان الأقصى”، قناة سي إن إن العربية 18 /10/ 2024م، انظر: https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2024/10/18/hamas-announces-ooficially-killing-sinwar
4- “اغتيال نصر الله: هل يكون بداية لنهاية الحرب؟ – في صحيفة هآرتس”، قناة بي بي سي العربية، في 29 سبتمبر 2024م، انظر: https://www.bbc.com/arabic/articles/cx20xn73xr0o
5- مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، قناة دي دبليو، في 31 يوليو 2024م، انظر: https://p.dw.com/p/4ivvP
6- “عدد الأسرى لدى حماس يحير إسرائيل.. عقدة العقد ثانية”، قناة العربية، في 21 أغسطس 2024م، انظر: https://ara.tv/pr68p
7- “خبير عسكري يكشف لـRT تأثير الضربة الإيرانية وموعد الرد الإسرائيلي”، قناة آر تي العربية، في 2 أكتوبر 2024م، انظر: https://ar.rt.com/yf7x
8- “اغتيال يحيى السنوار.. 20 محطة فى رحلة مهندس طوفان الأقصى مع مقاومة الاحتلال”، صحيفة اليوم السابع، في 17 أكتوبر 2024م، انظر: https://www.youm7.com/6745080
9- بيان الجيش الإسرائيلي في 17 أكتوبر 2024م.
10- “مقتل قائد لواء إسرائيلي في جباليا”، الجزيرة نت، في 20 أكتوبر 2024م، انظر: https://aja.ws/9wku0s
لتنزيل الورقة pdf كاملة اضغط (تنزيل – Download)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مـشاركة الـرابط عبر الــــــــبـرامج التالية
إرسال التعليق